الخميس، 30 ديسمبر 2010

النتائج الأدبية للثورة الفرنسية

عندما قامت الثورة الفرنسية قطعت روابط الصلة بين الأدب وبين الماضى:

1- عندما أغلقت الندوات الأدبية.
2- عندما عطلت الدراسات الكلاسيكيةز
3- عندما زاد عدد القراء زيادة هائلة.
Mirabeau
ولما تحرر الكتاب من رقابة المجتمع المرهف، ومن سيطرة القواعد، ومن الأستبداد الذى الذى كانوا يلقونه من الذوق المحدود للصفوة الممتازة لم يستمعوا إلا إلى نداء قلوبهم.
ثم ظهرت سلطة جديدة هى الصحافة التى كانت تزود القراء غير المحنكين بالآراء المجهزة. وسرعان ما أدت نشرات الأخبار اليومية إلى نسيان عادة القراءات الجدية، وخلقت لدى الجمهور ميلاً إلى تذوق الانفعالات العنيفة.
وأتسع مجال الأدب أتساعاً هائلاً. فوضحت المسائل، التى كانت محصورة فى دائرة ضيقة من الوجهة السياسية والأجتماعية والدينية، موضوع المناقشة الحرةز وظهر لون جديد مع مجئ نظم الحرية؛ وهى الفصاحة السياسية التى خلقت فى بدئها خطيباً عبقرياً هو ميرابو Mirabeau  1749-1791.


إن الإنقلاب العميق الذى حققته الثورة والأمبراطورية حرر الأدب من العقبات التى كانت تعترض سبيله فيما مضى، وسوف نبين لك الآن كيف تم هذا التحرير.

أنهيار المجتمع المرهف:
أغلقت الثورة الندوات - الصالونات - التى سيطرت على الأدب لمدة قرنين من الزمان سيطرة تامة لا توضع موضع المناقشة. فأنقطع تأثيرها لمدة تتراوح بين عشر سنوات وأثنتى عشرة سنة. وعندما أعيد فتح الندوات الأدبية لم تستطيع أستعادة هذا النفوذ؛ إذ لم يعد يبذل الكتاب جهداً للتكيف بذوق الصفوة الممتازة التى لم يعد أحد يعترف لها بهذه الصفة، وأخذوا يستقون إلهاماتهم من طبيعتهم الخاصة. وأنقطع تأثير المجتمع المرهف، أى النساء، فى توجيه الأدب.
وقضت الثورة على الدراسات الكلاسيكية، كما قضت على المجتمع الأرستقراطى فأغلقت المدارس الثانوية: وعندما فتحت أبوابها مرة أخرى لم تجد من يتقدم للالتحاق بها من أبناء الأرستقراطية ذوى الامتيازات الذين كانوا فى غنى تام عن التخصص والأعمال المهنية، إلى درجة أنهم كانوا يرون أن مثل هذا العمل يعد سبة، وكانوا يقتصرون على إرهاف عقولهم: فتقهقرت الدراسات الكلاسيكية أمام زحف الدراسات النفعية، التى كانت تتجه إلى جمهور أكثر إتساعاص وأشد أختلاطاً، أى إلى جمهوريتهم، قبل كل شئ، بالحقائق المادية، وهذا أمر طبيعى فى مجتمع يجب على كل فرد من أفراده أن يعمل منذ الآن على كسب قوته.

جمهور جديد:
وقد أنتهت الزيادة الهائلة فى عدد القراء - من صغار الطبقة المتوسطة الذين كانوا يثقفون أنفسهم، ثم العمال الذين أخذوا يتعلمون بأنفسهم فيما بعد - بأن ردت الكتاب أحراراً. ففيما مضى كانوا يكتبون من أجل صفوة ممتازة يعرفون ذوقها، وكان من اليسير عليهم أن يوفقوا بين كتاباتهم وبين هذا الذوق. أما اليوم فكيف لهم بمعرفة ذوق الجمهور؛ بل أذواقه المختلفة كل الاختلاف؟ فقد أصبح هذا الجمهور يضم أشتاتاَ لا حصر لها. وطوائف موزعة فى كل أرجاء البلاد. وقد لاحظ السيد فاجيه Faguet بحق أنه لم يعد أمام كل كاتب سوى "أن يتحدث لنفسه...وأن يفكر بصوت مرتفع، وأن يتبع الميل الطبيعى لتفكيره".

مرشد الجمهور:
ومع ذلك، ظهرت سلطة جديدة سرعان ما فرضت نفسها على الناس، وأخذت توجه الرأى العام فى الموضوعات الأدبية والموضوعات السياسية على حد سواء: وهذه السلطة هى الصحافة. فقد تبين أن الصحيفة هى الوارث الحقيقى لسلطان الندوات الأدبية. وجدت الصحافة جمهوراً طيعاً لأنه كان يتألف من قوم أقل خبرة، وأصبح من اليسير كل اليسير أن تقنع الصحافة هؤلاء القراء، طيبى النية وقليلى الخبرة بالفن، بأنه يجب عليهم أن يقرأوا كتاباً معيناً، وأن يجدوا فيه متعتهم، وإلا فإنهم  سيبدون فى مظهر الأغبياء. وأصبح النمط الأدبى الذى تمليه الصحف عنصراً من عناصر تقدير الجمال.
وكان من الضرورى أن يؤدى هذا النمو العجيب للصحافة إلى التأثير فى الأدب بصو شتى. فأن الأخبار اليومية كانت تثير حب الإطلاع دون الأنقطاع، فصرفت القراء عن التأمل الطويل فى القراءات الجدية. وعلى خلاف ذلك أدت الصحافة إلى ذيوع الميل إلى الإحساسات العنيفة والإنفعالات القوية، ودفعت الكتاب إلى إستخدام البواعث شديدة الوقع فى النفس، خوفاً من أن يبدوا كتاباً أغبياء.

من كتاب تاريخ الأدب الفرنسى - الجزء الثانى - تأليف: جوستاف لانسون - ترجمة د.محمود قاسم - المؤسسة العربية الحديثة - 1962

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق