الأربعاء، 29 ديسمبر 2010

حرب المكسيك

قد تأخذك الدهشة من أشتراك مصر فى حرب المكسيك بأمريكا، إذ لا ناقة لنا فيها ولا جمل، ولكن كذلك شأءت ميول سعيد نحو نابليون الثالث إمبراطور فرنسا فى ذلك العهد وصداقته له أن يلبى دعوته حينما طلب إليه أن يمده بقوة حربية مصرية تعاون الجيش الفرنسى بها.

كانت المكسيك جمهورية تتخللها الفتن والثورات، كما هو شأنها إلى اليوم، وكان يتولى رآسة جمهوريتها سنة 1861 المسيو جوارز Juarez، فقامت بالبلاد فتنة بقصد إسقاطه وإنتزاع السلطة من يده، فصادفت هذه الحركة هوى فى نفس الإمبراطور نابليون الثالث، وأعتزم أن يعضدها ليبسط نفوذه على المكسيك ويؤسس بها إمبراطورية تحت رعايته. وتذرع بما لحق الرعايا الأوربيين فى الحرب الأهلية من المضار، فطالب الحكومة المكسيكية بتعويض هذه الخسائرز فلما رفضت ألب عليها أنجلترا وأسبانيا، ثم ما لبثت هاتان الدولتان أن نفضتا أيديهما من المسألة، أما نابليون فقد جرد على المكسيك جيشاً كان مصيره إلى الهزيمة، وأستنجد فى خلال الحرب بصديقه سعيد باشا فسرعان ما أمده بكتيبة من الجنود السودانيين عددهم 1200 مقاتل، يقودهم البكباشى جبرة الله محمد السودانى، والصاغ محمد أفندى ألماس، فأبحرت هذه القوة إلى المكسيك سنة 1862، وأبلت فى الحرب هناك بلاء حسناً، وشهد لها المارشال فورى Forey قائد الجيش الفرنسى بالشجاعة إذ قال عن جنودها: " إن هؤلاء ليسو من الجنود، بل هم أسود" وأستمرت الحرب سجالاً بين الجيش الفرنسى وقوات الثورة، وأُعلنت الامبراطورية فى عاصمة المكسيك فترة من الزمن، وأعتلى عرشها الأرشيدوق مكسميليان النمسوى سنة 1864، ثم كانت الغلبة لقوات الثورة، فجلا الفرنسيون عن البلاد، وقتل الإمبراطور مكسيمليان رمياً بالرصاص سنة 1867، وفى غضون ذلك ظلت الكتيبة المصرية تكافح فى تلك البلاد السحيقة نيفاً وأربع سنوات، قتل فى خلالها البكباشى جبرة الله، فخلفه ألماس أفندى، وفنى معظم رجالها، ولم يبق منهم بعد إنتهاء الحرب سوى بقية من ضباطها، ونحو ثلثمائة من جنودها، ولما جلا الجيش الفرنسى عن المكسيك عادت الكتيبة إلى فرنسا، فأستعرضها الأمبراطور نابليون الثالث، يصحبه القائد المصرى شاهين باشا، الذى كان يزور باريس وقتئذ، فهنأ الأمبراطور ألماس أفندى على شجاعة الكتيبة وحسن نظامهان ووزع الأوسمة على بعض المميزين من رجالها، ورجعت إلى مصر فى مايو سنة 1867، فأستعرضها الخديوى إسماعيل بسراى رأس التين بالأسكندرية، وأمر بترقية طائفة منها، وأقام لطيف باشا وزير الحربية مأدبة لضباطها تكريماً لهم ولسائر رجال الكتيبة.


من كتاب عصر إسماعيل - الجزء الأول - عبد الرحمن الرافعى - إصدار الهيئة العامة للكتاب

هناك تعليق واحد:

  1. أكدت كثير من الدراسات أن الأمبراطور نابليون الثالث أستعان بالجنود المصريين السودانيين لأن الجنود الفرنسيين لم يستطيعوا أن يتحملوا حرارة الجو فى هذه المنطقة التى لم يعتادو عليها، ولذلك أخذ يبحث عن أقرب أصدقاء له على نفس خط العرض المماثل للمكسيك فلم يجد غير مملكة مصر والسودان.

    ردحذف